بقلم: د. جنان حبيب صميخ – طب وجراحة الفم والأسنان
لطالما ارتبطت صحة الفم بالإبتسامة الجميلة والمظهر الخارجي، لكن الأبحاث الطبية الحديثة جاءت لتكشف بأن هناك حقيقة أعمق وأكثر خطورة، صحة الفم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة القلب والأوعية الدموية.
عندما تُهمل نظافة الفم، تبدأ البكتيريا بالتراكم على الأسنان واللثة، مسببة التهابات مزمنة قد تتسلل إلى مجرى الدم. هذه البكتيريا، مثل Streptococcus mutans وPorphyromonas gingivalis، ليست بريئة كما يعتقد البعض، فهي قادرة على تنشيط الصفائح الدموية وتكوين جلطات صغيرة. ومع مرور الوقت، تؤدي هذه العملية إلى مضاعفات عديدة أبرزها تسريع تصلب الشرايين وزيادة إحتمالية الإصابة بأمراض القلب.
لقد أثبتت الدراسات أن الأشخاص الذين يعانون من التهاب اللثة معرضون بدرجة أكبر للإصابة بارتفاع ضغط الدم! ،واضطرابات نظم القلب مثل الرجفان الأذيني أو التسارع الأذيني، وأمراض الشرايين التاجية المغذية للقلب . بل إن البكتيريا اللثوية يمكن أن تكون سببًا مباشرًا في تضيق الشرايين وانسدادها لوحدها، وهو ما يُعد من أخطر العوامل المؤدية إلى النوبات القلبية والتي تعتبر مهدداً رئيسيًا للحياة.
والأمر لا يتوقف عند ذلك، فمرضى السكري غير المنتظم عادة ما يواجهون التهابات لثوية أشد خطورة. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن علاج اللثة لا يحسن صحة الفم فحسب، بل يساهم أيضًا في خفض مستويات السكر التراكمي حتى مع السيطرة على العوامل الأخرى مثل التدخين ونمط الحياة. كما تبين أن مرضى التهاب اللثة يسجلون مستويات أعلى من الكوليسترول والدهون الثلاثية، وهو ما يضاعف فرص الإصابة بانسداد الشرايين.
من هنا تتضح أهمية العناية اليومية بصحة الفم، ليس فقط للحفاظ على الأسنان، بل لحماية القلب أيضًا. فالفرشاة مرتين أو ثلاث مرات في اليوم، وخيط الأسنان الطبي أو المائي، والزيارات الدورية لطبيب الأسنان، كلها خطوات بسيطة لكنها قادرة على خفض احتمالية الإصابة بأمراض القلب بنسبة تصل إلى أربعة عشر في المائة وفق بعض الدراسات.